نوح عليه السلام




نوح (عليه السلام) كان ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر رجالا صالحين أحبهم الناس، فلما ماتوا حزنوا عليهم حزنًا شديداً، واستغل الشيطان هذه الفرصة فوسوس للناس أن يصنعوا لهم تماثيل تخليداً لذكراهم، ففعلوا، ومرت

يونس عليه السلام

نوح عليه السلام


السنوات، ومات الذين صنعوا تلك التماثيل، وجاء أحفادهم، فأغواهم الشيطان وجعلهم يظنون أن تلك التماثيل هي آلهتهم فعبدوها من دون الله، وانتشر الكفر بينهم، فبعث الله إليهم رجلا منهم، هو نوح -عليه السلام- فاختاره الله واصطفاه من بين خلقه، ليكون نبيًّا ورسولا، وأوحى إليه أن يدعو قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له.

وظل نوح -عليه السلام- يدعو قومه إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام، فقال لهم: {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} [الأعراف:59] فاستجاب لدعوته عدد من الفقراء والضعفاء، أما الأغنياء والأقوياء فقد رفضوا دعوته، كما أن زوجته وأحد أبنائه كفرا بالله ولم يؤمنا به، وظل الكفار يعاندونه، وقالوا له: {ما نراك إلا بشرًا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين} [هود:27].

ولم ييأس نوح -عليه السلام- من عدم استجابتهم له، بل ظل يدعوهم بالليل والنهار، وينصحهم في السر والعلن، ويشرح لهم برفق وهدوء حقيقة دعوته التي جاء بها، إلا أنهم أصرُّوا على كفرهم، واستمروا في استكبارهم وطغيانهم، وظلوا يجادلونه مدة طويلة، وأخذوا يؤذونه ويسخرون منه، ويحاربون دعوته.

وذات يوم ذهب بعض الأغنياء إلى نوح -عليه السلام- وطلبوا منه أن يطرد الفقراء الذين آمنوا به؛ حتى يرضى عنه الأغنياء ويجلسوا معه ويؤمنوا بدعوته فقال لهم نوح: {ما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قومًا تجهلون . ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون} [هود:29-30] فغضب قومه واتهموه بالضلال، وقالوا: {إنا لنراك في ضلال مبين } [الأعراف:60].

فقال لهم: {يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين . أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون} [الأعراف:61-62] واستمر نوح -عليه السلام- يدعو قومه يومًا بعد يوم، وعامًا بعد عام، دون أن يزيد عدد المؤمنين، وكان إذا ذهب إلى بعضهم يدعوهم إلى عبادة الله، ويحدثهم عن الإيمان به، وضعوا أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا كلامه، وإذا ذهب إلى آخرين يحدثهم عن نعم الله عليهم وعن حسابهم يوم القيامة، وضعوا ثيابهم على وجوههم حتى لا يروه، واستمر هذا الأمر طويلا حتى قال الكفار له:

{يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين} [هود:32].

فقال لهم نوح: {إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين . ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون} [هود: 33-34] وحزن نوح -عليه السلام- لعدم استجابة قومه وطلبهم للعذاب، لكنه لم ييأس، وظل لديه أمل في أن يؤمنوا بالله -تعالى- ومرت الأيام والسنون دون نتيجة أو ثمرة لدعوته، واتَّجه نوح -عليه السلام- إلى ربه يدعوه، ويشكو له ظلم قومه لأنفسهم، فأوحى الله إليه: {إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون} [هود:36].

وظل نوح -عليه السلام- يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين (950 سنة) دون أن يجد منهم استجابة، فقال: {رب إن قومي كذَّبونِ . فافتح بيني وبينهم فتحًا ونجني ومن معي من المؤمنين} [الشعراء:117-118] ودعا عليهم بالهلاك، فقال: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا . إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرًا كفارًا} [نوح: 26-27] فأمره الله أن يصنع سفينة، وعلَّمه كيف يتقن صنعها، وبدأ نوح -عليه السلام- والمؤمنون معه في صنع السفينة، وكلما مر الكفار عليهم سخروا منهم واستهزءوا بهم؛ إذ كيف يصنعون سفينة وهم يعيشون في صحراء جرداء لا بحر فيها ولا نهر، وزاد استهزاؤهم حينما عرفوا أن هذه السفينة هي التي سوف ينجو بها نوح ومن معه من المؤمنين حينما ينزل عذاب الله.

وأتمَّ نوح -عليه السلام- صنع السفينة، وعرف أن الطوفان سوف يبدأ، فطلب من كل المؤمنين أن يركبوا السفينة، وحمل فيها من كل حيوان وطير وسائر المخلوقات زوجين اثنين، واستقر نوح -عليه السلام- على ظهر السفينة هو ومن معه، وبدأ الطوفان، فأمطرت السماء مطرًا غزيرًا، وتفجرت عيون الماء من الأرض وخرج الماء منها بقوة، فقال نوح: {بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم} [هود:41] .

وبدأت السفينة تطفو على سطح الماء، ورأى نوح -عليه السلام- ابنه، وكان كافرًا لم يؤمن بالله، فناداه: {يا بني اركب معنا ولا تكن من الكافرين} [هود:42] فامتنع الابن ورفض أن يلبي نداء أبيه، وقال: {سآوي إلى جبل يعصمني من الماء} [هود:43] فقد ظن أن الماء لن يصل إلى رءوس الجبال وقممها العالية، فحذره نوح -عليه السلام- وقال له: {لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم} [هود: 43].

ورأى المشركون الماء يملأ بيوتهم، ويتدفق بسرعة رهيبة، فأدركوا أنهم هالكون فتسابقوا في الصعود إلى قمم الجبال، ولكن هيهات .. هيهات، فقد غطى الماء قمم الجبال، وأهلك الله كلَّ الكافرين والمشركين، ونجَّى نوحًا -عليه السلام- والمؤمنين؛ فشكروا الله على نجاتهم، وصدر أمر الله -تعالى- بأن يتوقف المطر، وأن تبتلع الأرض الماء: {وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودى وقيل بعدًا للقوم الظالمين} [هود: 44] وابتلعت الأرض الماء، وتوقفت السماء عن المطر، ورست السفينة على جبلٍ يسَمَّى الجودى.

ثم أمر الله نوحًا -عليه السلام- ومن معه من المؤمنين بالهبوط من السفينة، قال تعالى: {يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم} [هود:48] وناشد نوح -عليه السلام- ربه في ولده، وسأله عن غرقه استفسارًا واستخبارًا عن الأمر، وقد وعده أن ينجيه وأهله، فقال سبحانه: {إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح} [هود:46] وكان ابن نوح من الكافرين فلم يستحق رحمة الله، فامتثل نوح لأمر الله، وهبط من السفينة ومعه المؤمنون، وأطلق سراح الحيوانات والطيور، لتبدأ دورة جديدة من الحياة على الأرض، وظل نوح يدعو المؤمنين، ويعلمهم أحكام الدين، ويكثر من طاعة الله من الذكر والصلاة الصيام إلى أن توفي ولقى ربه.

موقع بنت حواء يرحب بكم ويقدم لكم كل ما هو جديد 2017